الانحراف الاجتماعي ومعالجته في ضوء المفاهيم القرآنية والقانونية
م.م. جمانة جاسم الاسدي
جامعة كربلاء / كلية القانون
تعتبر ظاهرة الانحراف الاجتماعي ظاهرة قديمة فهي ليست بحديثة العهد، فقد عانت منها المجتمعات منذ القدم ، حاولت التشريعات الشرعية بمختلف اشكالها والقانونية التصدي لها دون ان تكون هنالك جدوى جذرية، ولتبيان الانحراف نوضح بانه يعرف بالخروج عن جادة الصواب، او الابتعاد عن ما هو مألوف ومتعارف عليه من عادات وسلوك ، ويعرف شرعا : بانه مجانبة الفطرة السليمة ، واتباع الطريق الخطأ المنهي عنه دينيا او الخضوع والاستسلام للطبيعة الانسانية دون قيود وبما ان الفرد كائنا اجتماعيا ، يرتبط مع افراد المجتمع ارتباطا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا فضلا عن روابط الزواج والاخوة والاسرة والمصلحة الاجتماعية وهذه الروابط مدعاة للانحراف اذا لم تكن هناك ضوابط ومفاهيم قرانيه يمكن التمسك بها والامتثال لحكمها ، فالانحراف الاجتماعي يمكن وصفه بانه، وصف للأفعال او السلوكيات التي تخرق او تخالف المعايير الإسلامية التي جاء به القران الكريم للحفاظ على استقرار المجتمع ، او هي التصرفات التي تكسر قواعد واعراف واخلاقيات أي مجتمع بما في ذلك القوانين المسنونة ، فهي ظاهرة اجتماعية يصعب ضبطها والسيطرة عليها والتخلص من اثارها ، فالانحراف الاجتماعي أساسه الانحراف الشخصي ، او هو انتهاك او رفض عادات واعراف مجتمع ما.
وتشمل الانحرافات الاجتماعية القانونية وغير القانونية ، ومن حالات الانحراف الاجتماعي التي ذكرها الشرع والقانون هي القتل ، والسرقة تناول المخدرات ، والانتحار، والزنا ، والطلاق ، اعتياد التدخين في سن مبكرة ، والغصب، والتمرد على سلطة الوالدين ، الى غير ذلك من السلوكيات السلبية ، فظاهرة الانحراف الاجتماعي من ابرز السلبيات التي تصيب مسيرة البشرية نحو الكمال وتسبب في سقوط الأمم.
وبالرجوع الى آيات القران الكريم نجد ان بداية كل انحراف أو المؤسس لحالة الانحراف في الأمم كافة هو ابليس عندما رفض السجود لادم، ولذلك تحول الانحراف من حالة فردية الى ظاهرة اجتماعية لها اشكالها المتعددة بل حتى انه أصبحت لها مدارس وثقافة وفلسفة تبرر ظاهرة الانحراف في المجتمع ، وتعطي لها اطار شرعيا ، وعالج القران الانحرافات بخطاب جماعي ، وذلك لكي يحمل الجميع المسؤولية تجاه أي حالة انحراف فردية ومصداق ذلك في الآية الكريمة ( يا أيها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة …. ) ، كما وضرب القران الكريم امثلة لهذه الحالة في قوم بني إسرائيل حينما ارتكبوا بعض المحرمات وتحولت هذه المحرمات الى ظاهرة اجتماعية عندهم قال تعالى ( فيما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق …) فهذه الآية تدل على وجود الانحرافات التي كانت يمارسها بعض فئات مجتمع بني إسرائيل .
وكثيرة هي الانحرافات التي أشار اليها الشرع والقانون، ولكن الأهم من هذا العرض للحالات الواردة للانحراف في المجتمع لابد من تسليط الضوء على المعالجة سواء في الشرع او في القانون .
لقد تصدى الشرع والقانون في وضع حد لبعض الانحرافات التي لها تأثير كبير على المجتمع وتهدّد امنه واستقراره ، ووضع عقوبات لتجريم ذلك ، فمنها جريمة القتل العمد والخطأ، والغصب ، والسرقة ، والزنا والجرائم التي تتعلق بالملكية ، وذلك بوضع نصوص شرعية وقانونية تجرم حالة الانحرافات المذكورة أعلاه ، ولكن لم تنتهي الحالات وان وجدت نصوص تجرم ذلك ، فالحاجة ماسّة الى معالجتها ومواجهتها والتصدي لها فلابد للحد من ظاهرة الانحرافات سواء الفردية ام المجتمعية وذلك باتباع ما يلي :
ينبغي تأسيس المعالجات للانحراف على النصوص القرآنية والالتزام بما فرض الله علينا، فالإسلام محورا رئيسياً للتصدي لأغلب حالات الانحرافات السلوكية ، لان الدين الإسلامي يؤدي دورا مهما في تقويم النفوس وتهذيبها ، لان المفاهيم القرآنية تحمل في طياتها الطاعة والاستقامة والعمل الصالح والثواب والعقاب والايمان بالله والتقوى ، فالإسلام له منهجه في تقويم السلوك الخلقي للإنسان .
كما وان هناك من الوسائل التي تساعد الانسان ان لا يكون منحرفا وذلك عن طريق التربية بالقدوة ، والتربية بالبيئة الصالحة والاسرة المنضبطة ، والتربية بالموعظة ، والتربية بالمراقبة على النفس ، والتربية بالعقوبة .
فالقدوة من أهم المعالجات والوسائل للحد من الانحراف بل يساعد في اعداد الفرد خلقياً ونفسياً واجتماعياً ، فالقدوة عامل كبير في اصلاح الفرد وفساده ، فاذا كانت القدوة حسنة نشأ الفرد في المجتمع على الصدق والأمانة ، لذلك جعل الله لنا في رسول الله قدوة حسنة للناس اجمعين فقال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة ) ، فالرسول (ص) صورة كاملة للمنهج الإسلامي .
كما ان البيئة الصالحة لها دور في نشأة الفرد ليصل الى قمة الفضائل والمكارم الذاتية ، فلا ينحرف عن الطريق السوي طالما تربى الفرد على الخوف من خشية الله تعالى، اما التربية بالموعظة ، فان النصح الطيب للفرد وتذكيره بكل ما يخالف الله وتبصيره بالمسائل التي يرفضها الشرع والقانون يكون عاملا كبيرا في بناء المجتمع .
كما تكون التربية بالمراقبة لها اثرها البليغ للكشف عن حالات المخالفة التي يرتكبها الأبناء ، فمراقبة الاب والام لأبنائهما من ناحية الالتزام بالصلاة والصيام وتعريفهم بتكليفهم الشرعي ومراقبتهم في أداء الواجبات ليكونوا افرادا صالحين يعرفون الحق ويؤدون كل ذي حق حقه مما يترك اثارا كبيره على المجتمع .
وكما ان تربية الافراد بالعقوبة والحساب في الدنيا والأخرى التي قررتها الشريعة الإسلامية للمحافظة على أصول الدين وهي حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العرض ، وحفظ العقل ، وحفظ المال ، وهذه العقوبات تُعرف في الشريعة الإسلامية بأسم الحدود والتعزيرات ، فالعقوبة مهما كانت سواء عقوبة حد ام قصاص ام عقوبة ام تعزير فهي العلاج المهم والحاسم لمعالجة الشعوب وإصلاح الأمم ومواجهة ظواهر الانحراف وتثبيت دعائم الامن والاستقرار في المجتمع والدولة ، ونتأمل من المشرع وضع نصوص لمعالجة الحالات التي لو يتم ذكرها وخصوصا نحن نتعايش مع أمة منحلة متفككة الكيان ، وتسود فوضى اجتماعية دائمة ومبتعدة عن احكام الله والامتثال لها .